إن الغرض من هذه الحلقات عن المزار، عبر شهادة تلة من أبنائه هو التأريخ لتراث هذه المنطقة التي قاومت ولاتزال مختلف أشكال الوأد والطمس لمعالمها، بدءا بالتصحر؛ لولا بعض الشواهد هنا وهناك بين الرمال، دون أن نعلم عن تاريخ ذلكن كيف حدث ومتى؟
مما اضطر أهله الى تأسيس مزار آخر جديد هو كذلك بدوره يقاوم اليوم أشكالا أخرى أشد وطأة من الرمال فقد استطاعت أن تجعل أجيال اليوم تكاد تنتمي الى مجالات جغرافية بلا ذاكرة؟؟
ولأن الذاكرة شرط من شروط الانتماء الحقيقي للبلد والمساهمة في تنميته ورقيه
فقد كانت هذه الحلقات عن المزار احتفاء بالذاكرة الجماعية لدواوير المزار وإشادة بالقيم والعادات التي أسست وأطرت أسلوب اجتماعهم الثقافي والاجتماعي وظروفها المختلفة والمتنوعة...
إن المزار رغم تهميشه القسري لطالما كان قبلة روحية ودينية للكثيرين؛ فهو المحتضن لسبعة من أضرحة صلحائه بدءا بسيدي صالح وسيدي ميمون وسيدي بوزيد وسيدي علي بناصر وللا ميمونة وسيدي عيسى وضريح سيدي ميمون المشهور الى جانب مدرسته القرآنية..
هذا دون أن ننسى تمركز فروع للزوايا المشهورة كالدرقاوية والناصرية والتيجانية،ولها فيه أتباع ومريدون..
كما أنه منارة علمية بمدرسته القرآنية المشهورة والتي أسسها سيدي ع الله الركراكي، الى جانب مدرسة سيدي ميمون ومدرسة توهمو العلمية، وأخيرا كلية الشريعة.دون أن نغفل دور التعليم العصري بإحداث مدارس ابتدائية بعد الاستقلال، والذي تخرجت منه أجيال لابأس بها
والى جانب هذا الدور الديني والعلمي، ظهرت في المزار فرق فنية عديدة ، بل انه كان محضنا للطلائع الأولى للمسرح الأمازيغي ممثلا في ما اشتهر ب"أعرابن ن ايت المزار"
ولقد تواجدت هذه الألوان جنبا الى جنب في تعايش وتمازج جميل، فمواسم الصلحاء في كل سنة مناسبات ذات بعد روحي وديني وفني في آن.
ولا شك أن لهذه التوليفة في وجدان كل واحد من أبنائه، أثرها الطيب الذي لا يمحوه الزمن، وتظل النفس في شوق وحنين الى تلك الفلتة الجميلة من الزمن.
ولعل الشهادات التي مرت معنا أكدت على المعاني الإنسانية الجميلة التي نسجت علاقات الروابط بهذه المنطقة، حتى غدت دواويره كأنها عائلة كبيرة ممتدة...
نعم قد نبدو اليوم أكثر حظا بتوفر الأشياء والإمكانات المادية، لكن كيف نفسر تحسر البعض على ما مضى، إلا أنه افتقاد لتلك المعاني الإنسانية التي تجسدت في الجماعة عبر أفرادها الأعلام الذي كانوا حالات فريدة في البذل والعطاء المادي والمعنوي، فخلدتهم أعمالهم، وكلما ذكروا إلا واستدر ذكرهم الدعاء بجليل الرحمات على ارواحهم..
ولا ننكر أن ما مر معنا في هذه الحلقات مجرد نبش صغير في هذا التاريخ الاجتماعي والثقافي للمزار، احتفاء بالمنطقة ورجالاتها سواء منهم من رحل الى دار البقاء أو من بقي ونرجو له البركة في العمر، كما انه محاولة لتوثيق هذا التاريخ الشفوي الذي سينقضي ونريد التعريف به، فقد يكون احد الحوافز على الانخراط في كل الجهود الطيبة لتنمية هذا البلد الطيب سواء بأهله أو بالوافدين عليه ممن ارتضوه لهم أو لأبنائهم موطنا.
وفي الأخير نتقدم بالشكر الجزيل لكل المساهمين في هذه السلسة
كما نعتذر لمتتبعي هذا العمل، إن لم يكن في مستوى تطلعاتهم فحسبنا أن قد بدأنا هذا المشوار، وما كل بداية إلا بمثابة القاعدة التي نبني عليها أشكالا أخرى في سبيل التطوير والله الموفق.
محمد النعناعي
تعليقات
إرسال تعليق