الحيوانات المزارية.
ككل دوار كان في المزار حيوانات أليفة نقشت بصماتها في التاريخ المحلي و
الشخصي، و منها من تركت أثار مادية ظاهرة في أجسام بعضنا ـ و لست منهم و لله الحمد ـ و بالتأكيد أصابت بعضهم بفوبيا
الحيوانات. فحيوانات المزار كانت متميزة و فريدة من نوعها،فكلابها لا تنبح ، و
أبقارها لا تخور، و قططها لا تموء، و ديكتها لا تصيح، بل تفعل كل ذلك و المزيد....
فلتبدأ السيرة مع الكلاب.
الكلاب
كان في حي أيت الموذن كلب
شرس كنا نطلق عليه " بِيشْعُورَّانْ" لكثرة الزغب الذي كان يكسو
جسمه.كان هذا الكلب الذي يمتلكه حينها راعي غنم عائلة أيت الموذن جميل المظهر،كثير
النباح،مثيرا للرعب لدى الصغار، إذ لا يستطيع أحد أطفال الحي أن يمر ليلا بالقرب
من بيت صاحبه؛لذلك فالأشجع منا إذا أراد الذهاب ليلا إلى فران " بَعْلي
جوغو" كان عليه أن يلتف حول منزل "أيت البونة"، و يمر من تلك
الغابة الشوكية التي تتواجد خلف بيت الفقيه، وهي منطقة كانت بها أشجار التين
الشوكي ـ تَكْنَارِيتْ ـ اختفت معالمها حاليا ، وينطلق صوب مبتغاه بجوار حائط حقل
أيت الموذن القريب من المدرسة. و الأجبن منا كان يلتف حول المسجد ليمر بالقرب من
المدرسة و قد يقضي حاجته من مكان غير مقصوده الأول، و في الرجوع إلى البيت هناك من
يتشجع و يدلف من المكان الذي يُعسكر فيه " بيشعوران" بقلب وجل،و فرائس
ترتعد ،و أطراف ترتجف ،و كله استعداد لينطلق كالسهم في جنح الظلام، قد يسمع نباح
الكلب فينطلق مسرعا و صراخه القوي الممزق
لأحشاء السكون يُسمع من بعيد.
كان معسكر الكلب الشرس
مكانا مظلما تكاد لا ترى فيه يديك، تسمع النباح ولا ترى مصدره، كالذي يسمع جعجعة
ولا يرى طحينا، في الحقيقة يمكن رؤية الطحين، طحين من نوع خاص في حالتنا هذه، و
لكن عليك أن لا تركض بل أن تنتظر حتى يخرج إليك الطحين بنفسه !! مات "
بيشعوران " و فارق الحياة، و مع أنني لا أذكر هل ترك بصمة مادية في أحدهم،
ولكن بقيت ذكراه ساهرة في النفوس، وظل خياله يزورني سنوات في كوابيس أصرخ فيها مهرولا
و لا من مجيب...
"فَرْتُوش"
و " وِيْزَة" و " إليزابت "،ليست هذه أسماء لأجانب زاروا
المنطقة،و لا ألقابا شخصية نتداولها بيننا ،و لكنها أسماء لكلاب شبه ضالة تمت
تربيتها على يد مدربين كبار من حي أيت الموذن،فهي على التوالي لكل من : الحسين
أمهال (الشـگري)،كريم الزروالي (أخْصْ)،حسن جوغو(نْمِرِي). لقد تم الاعتناء بهذه
الكلاب أيما عناية، حتى أنها خضعت للتلقيح
في إطار حملة تلقيحية للكلاب شهدتها ساحة المزار ـ المحطة ـ قريبا من الملحقة القديمة لجماعة أيت ملول.لم
تكن هذه الكلاب تفارقنا إلا ليلا أو في أوقات الدراسة، و نحن نصطحبها حيثما
ذهبنا،فكانت ترافقنا في خرجاتنا إلى الغابة للصيد أو اللعب.
الحمير
كان لـ
"دا عبيد أمهال" حمار رمادي اللون ،قصير القامة،يمتاز بذيل طويل تجتمع
في رأسه كومة من الزغب، كان هذا الذيل أشبه بالمكنسة السحرية لحيزبون الشريرة في
الرسوم المتحركة،و كان "دا عبيد " ـ شفاه الله من مرضه الذي ألزمه في
الفراش هذه الأيام و منذ أسابيع ـ كثيرا ما
يمازحنا و يُضاحكنا و نحن صغار حينها؛ نسأله و هو راكب على حماره ،هل توصلني معك
على حمارك؟ يجيبك بكل ترحاب هناك مكان شاغر أمامي، نخبره أننا نفضل خلفه لا أمامه،
فيلح أن أمامه هو المكان الشاغر حاليا... نسأله مزاحا عن الساعة و هو راكب على
حماره،فلا يلتفت إلى يده ليقرأ لنا الساعة، و لكنه يعالج ما يميز حماره و يطلب منا
أن ننظر إلى الساعة بأنفسنا.و من شذوذ الموقف كنا نضحك ملء أفواهنا و نحن ننظر إلى
"الساعة المتنقلة"...
الديك الرومي
كان "سي مولود أسفار" يملك ديكة رومية
(بيبي )،كانت هذه الديكة علامة من علامات الأمن الذي كان يسود المزار، فقد كانت
تلك الديكة تجوب المزار شرقا و غربا تأكل من خشاش الأرض، و تصل في جولاتها أحيانا
إلى حيث يوجد دكان "بلفقيه" دون أن يعتدي عليها معتد أو يتهجم عليها
متجهم، و جميع المارة يعرفها. كنا نثيرها بقولنا " بيبي تْمُوتْ عِيشَة"
فتراها تنتفخ كالبالون و صقاعها يصم الأذان . من يستطيع اليوم أن يسمح لدجاجاته أن
تغادر البيت لتتجول حيثما شاءت في المزار؟؟؟
هذه فقط
بعض الحيوانات التي التصقت بحواف الذاكرة، و لا زالت تصارع لتبقى من جراء التراكم
و التدافع.قد يكون لنا عودة إلى بعضها في حلقات قادمة سواء كانت خاصة بها ، أو
مذكورة ضمن مواضيع أخرى.كحمار جد بسداون مثلا ،الذي سيكون لنا لقاء معه في أول رحلة على الأقدام رفقته إلى "سيدي
طوال".... إنتظرونا...!
تعليقات
إرسال تعليق