نماذج معرفية متحركة
هناك في البلدة الشريفة
شخصيات تركت بصماتها في تاريخنا، و لا زالت. لا يمكن لقاطن بالمزار ان ينكر معرفته
لشخصية صارت اليوم أول من حصلت على درجة الدكتورة في منطقة المزار،على حد علمي، و
لا أن ينكر معرفته بتلك العائلة العريقة في مزارنا الشريف، و التي تقطن في قلبه
قريبا من المحطة، عائلة يعرفها الجميع و يحترم أفرادَها القاصي و الداني، فمن
يستطيع ـ من جيل السبعينيات والثمانينيات و
ربما أوائل التسعينيات ـ أن ينسى شخصية في حجم "سي الحسين أو البشير" ـ
تغمده الله بواسع رحمته ـ ولمن لا يعرفه فهو
جد دكتورنا " عبد العالي المتقي".ذكرته في الحلقة الافتتاحية لـ "
حفريات في الذاكرة"، حين تحدثت عن الزائر الشهري المحبوب لكُتاب المسجد، لست
أذكر أعماله الخيرية الأخرى التي كان يقوم بها حينها لصغر سني، و لكنني أذكر حبنا
له كأطفال و أتذكر احترام الناس له.
الحفيد دكتورنا الحبيب ،
"نموذج معرفي متحرك"، هكذا يطيب لي أن ألقبه، و أشعر هذه الأيام بأنه
يستحضر حجم المسؤولية الملقاة على عاتقه باعتبار الدرجة العلمية
التي حصّلها بشرف،و حفاظا على إرثه الاجتماعي الذي اتخذ منحا أخر مغايرا لاتجاه
جده، فالجد على ما أعتقد كان ينشط في المجال الخيري و الإحسان إلى الناس، بينما
اختار الحفيد مجال العلم و المعرفة، و أي مجال هذا ؟؟؟ ليس اللقب " نموذج
معرفي متحرك " مرتبطا بالنماذج المعرفية موضوع دورة البناء المعرفي للجامعة
الشتوية الشبابية التي لم يُكتب لي حضورها ـ وقد أتحدث عنها لاحقاـ بل مرتبطا باعتباري
له قدوة و نموذجا يستحق أن يُحتدى به في مجاله الذي اختاره لنفسه، كيف لا يُحتدى
به ؟و قد قال عنه أساتذته ـ وهم أعلم الناس بطلابهم ـ يوم مناقشته للدكتوراه: " لم يكن من الطلبة المقررين، بل كان
دائما ما يتأبط كتابا خارج المقرر، و يشاكس ـ كما جاء على ألسنتهم ـ في مناقشاته و
أطروحاته".كيف لا يحتدى به؟ و هو الداعي دائما إلى معانقة الكتاب و مناورة
الأفكار؛ و قدم في ذلك دروسا نموذجية في إطار مجموعات معرفية ثقافية تطورت أسماؤها
مع الزمن، بدءا من أمسيات محمدية ،مرورا
بمجموعة علي عزة بيغوفيتش ، وصولا إلى الجامعة الشتوية الشبابية و نادي
أبعاد في دار الحي بالمزار لتبدأ الحكاية من جديد.
لم يكن يسمح للعقبات أن
تقف في طريق بحثه عن التنمية المعرفية الذاتية، لحضور كل محفل ثقافي حيثما كان و
في أي وقت كان؛ فغالبا ما كان يتنقل إلى أيت ملول لحضور أنشطة جمعية ثقافية تنشط هناك،
وغالبا يدب على دراجته راجعا في جنح الليل دون خوف من اعتداء أو تهجم.
نموذج معرفي ذو شخصية منفتحة على الأخر كيفما كانت حالته
الاجتماعية، لا يحابي في الحق أحدا، غيور على بلدته، معطاء صبور و كريم.يقول عن
أمثاله الشاعر :
هيهات لا يأتي الزمان بمثله . . . إن الزمان بمثله لبخيل.
تعليقات
إرسال تعليق